غزة والسيناريوهات الأربعة

{title}
أخبار الأردن -

حسني عايش

 

أيدت الأغلبية الساحقة من الشعب الفلسطيني والشعوب العربية طوفان الأقصى، عندما رأته يكسر أنف الاحتلال (اسرائيل) ويمرغه لأول مرة بالتراب. وفي أثناء ذلك يباد الشعب الفلسطيني في غزة، وتدمر عن بكرة أبيها: جغرافيةً، وطبوغرافيةً، وبنيةً تحتيةً، وزراعةً، وصناعةً، وتعليماً، وتاريخاً، وتراثاً.

 

 

ولمساعدة القارئ لاتخاذ موقف واضح من هذه الأحداث يرضى عنه، يجب عليه أن يضع نفسه وأسرته في غزة، ليرى من خلال عينيها. وعندما يفعل يجد نفسه أمام واحد من السيناريوهات الأربع التالية: 

 

الأول: قبول سيناريو الحصار الشامل الكلي براً وبحراً وجواً، التي تفرضه اسرائيل على قطاع غزة، ويعني أن تظل سجيناً مدة الحياة، واسرائيل تمسك بخناقك حتى الموت: صحتك، مرضك، علمك وجهلك، بنتك وولدك وأكلك، وشربك، وصحوك، ونومك، فهل تستطيع أن تقبل ذلك فعلاً وأن يمضى حياتك قابعاً في هذا السجن؟ 

الثاني: سيناريو الاستسلام، أي الخضوع التام للسيناريو الأول، لا تترك وسيلة إلا واستخدمتها لإثبات هذا الخضوع كي ترضي اسرائيل عنك داخل السجن، وإلا أوقفتك على رجل واحدة أو في الزاوية إلى ان تتوب، وتصفح عنك، فلا تفكر بالحرية والدولة الفلسطينية، وحتى بالاتصال مع الضفة أو العالم. عندئذ سيتهمك العرب وغيرهم بالخيانة، فلا تطيق ذلك لأنهم لا يأخذون وضعك بالاعتبار ولا يقدرون ما أنت فيه. 

الثالث: سيناريو المناشاوت المتبادلة: 

ويعني أن تظل تحت الحصار، ولكنك لا تترك وسيلة إلا واستخدمتها للإطاحة به، وبخاصة حفر الأنفاق وتهريب السلاح عبرها او استخدام ثغرات بحرية أو برية لتهريبه، وتصنيعه واستخدامه من آن إلى آخر لتنكيد الحياة في اسرائيل وهم يردون عليك بالمثل. ولكن صواريخك قلما تصيبهم، بينما صواريخهم تصيب وتقتل وتدمر. وينتهي الأمر بتدخل الوسطاء لوقف التراشق فيقف. وبالاتفاق عبر وساطات عربية ودولية على هدنة مؤقتة، دون أن يحدث تغييرا إيجابيا في حياة القطاع، فتعود إلى المراشقة وينتهي الأمر بالكيفية نفسها. 

الرابع: طوفان الأقصى: 

نظراً لإفلاس كل ما مر من محاولات لإزالة الحصار أو لتخفيف وطأته، ولإعادة الحياة إلى القضية التي كادت تموت، كان لا بد أن يفكر قادة المقاومة في القطاع ببديل فريد لم يخطر على بال أحد في اسرائيل أو حتى في بلاد العرب أو في العالم من قبل، وهو المقاومة الاستباقية باكتساح حدود الهدنة، والتوغل في اسرائيل، وقتل وأسر وجرح المئات من اليهود بسرعة خاطفة بدا بها وكأن اسرائيل أُغمي عليها وانهارت. 

لقد انتصرت فلسطين في مرحلة الذهاب بطوفان الأقصى على اسرائيل لأول مرة، أي أنها هزمتها لأول مرة في تاريخها وعلى يد من؟ على يد فصيل فلسطيني محاصر كلياً في قطاع غزة. 

لم تبك اسرائيل وحدها نتيجة هذا الهجوم الصاعق بل كل الصهاينة في العالم بكوا، وبخاصة في الإدارة والكونغرس الصهيونيين. كما بلغ الفرح أوجه عند الشعب الفلسطيني والشعوب العربية، وتحولوا جميعاً إلى تأييد المقاومة وإن كانت على يد «حماس». 

وما إن استيقظت اسرائيل واميركا وأوروبا من الصدمة حتى شنوا جميعاً مباشرة أو بصورة غير مباشرة وغير مسبوقة حملة يهودية صليبية صهيونية جديدة على قطاع غزة لإبادة القطاع بشراً وشجراً وحجراً، ولكنهم لم ينجحوا حتى الساعة في تحقيق أهدافهم من الحملة وهي تصفية حماس، وإطلاق سراح الأسرى عندها، والانفراد بحكمها. 

وبما أن الصراع الدامي مستمر وتدمير غزة البشري والعمراني كذلك فإن الناس أخذوا يتساءلون وبعدين، لا أحد يعلم إلى أين، ذلكم في بطن الغيب.

وأعود إلى الموضوع: هل تلوم غزة لو كنت هناك على قيامها بطوفان الأقصى مهما كانت النتائج في مرحلة الإياب؟ فكر وفسر ولكن كن منطقياً وأخلاقياً مع نفسك ومع غزة.

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير